أظهرت نتائج دراسة علمية أولية جارية أن الاستخدام المنتظم للسجائر الإلكترونية قد يعرض مستخدميها لخطر الإصابة بالخرف، وأمراض القلب، وفشل الأعضاء على المدى الطويل، مما يثير تساؤلات حول مدى أمان هذه البدائل مقارنة بالسجائر التقليدية.
تجري الدراسة حالياً من قبل باحثين من جامعة مانشستر متروبوليتان في المملكة المتحدة، ومن المتوقع أن تكتمل في مارس/آذار المقبل. وقد نشرت صحيفة “ديلي ميل” تفاصيل الدراسة الأولية.
هل السجائر الإلكترونية حقاً بديلاً آمناً؟
على الرغم من تأكيد هيئة الخدمة الصحية الوطنية البريطانية بأن استنشاق بخار النيكوتين من السجائر الإلكترونية أقل ضرراً من تدخين السجائر التقليدية، إلا أن الأطباء يحذرون من أن السجائر الإلكترونية ليست الخيار الآمن تماماً للإقلاع عن التدخين كما يُروج لها. يعود ذلك إلى احتوائها على مواد كيميائية قد تسبب أضراراً طويلة الأمد، بالإضافة إلى نقص الدراسات الكافية حول تأثيراتها الصحية على المدى البعيد.
تعمل السجائر الإلكترونية عن طريق تسخين سائل يحتوي على النيكوتين ليصبح بخاراً يُستنشَق بدلاً من الدخان الناتج عن احتراق التبغ. يحتوي هذا البخار عادة على مواد كيميائية مثل البروبلين غليكول، والجلسرين النباتي، والمنكهات الاصطناعية، فضلاً عن النيكوتين الذي تختلف نسبته حسب المنتج.
ورغم أن هذه التقنية تهدف إلى تقليل التعرض للقطران والمواد السامة الموجودة في التبغ المحترق، يحذر الباحثون من أن استنشاق البخار قد يؤثر سلباً على الأوعية الدموية، حيث قد يزيد من معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، مما يؤدي إلى تضيق الأوعية وتلف جدران الشرايين. وهذا قد يرتبط بمخاطر صحية كبيرة مثل أمراض القلب والخرف.
كما يخشى الخبراء من انتشار أمراض الرئة، ومشاكل الأسنان، وحتى السرطان في المستقبل بسبب الاستخدام المنتظم للسجائر الإلكترونية، خاصة بين الشباب الذين بدأوا في استخدامها في سن مبكرة.
تلف جدران الشرايين
أُجريت الدراسة في معهد الرياضة بجامعة مانشستر متروبوليتان، حيث خضع المشاركون لاختبارات دورية لتقييم مرونة الأوعية الدموية وسرعة تدفق الدم إلى الدماغ. تم اختيار المشاركين بمتوسط عمر 27 عاماً مع مراعاة تمتعهم بمستويات لياقة بدنية مشابهة لضمان دقة النتائج.
وكشفت الدراسة أن المدخنين ومستخدمي السجائر الإلكترونية يعانون من تلف في جدران الشرايين، مما يفقدها قدرتها على التمدد. وهذا يعد مؤشراً قوياً على احتمال تطور مشاكل خطيرة في القلب والأوعية الدموية في المستقبل. كما أظهرت الدراسة أن تدفق الدم كان ضعيفاً لديهم، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل إدراكية مثل الخرف.
وأكد الدكتور ماكسيم بويدن، قائد الفريق البحثي، أن الأدلة العلمية تشير إلى أن الضرر الناتج عن السجائر الإلكترونية قد يكون مكافئاً أو حتى أشد من الضرر الناتج عن التدخين العادي. وأوضح أن “التدخين التقليدي يتطلب إشعال سيجارة جديدة بعد انتهاء الأخرى، بينما يمكن لمستخدمي السجائر الإلكترونية الاستمرار في استنشاق النيكوتين بشكل مستمر دون إدراك كمية الاستهلاك، مما يجعل الأمر أكثر خطورة”.
وأضاف قائلاً: “الفائدة الوحيدة للسجائر الإلكترونية تكمن في مساعدتها للأشخاص على الإقلاع عن التدخين التقليدي، لكن الاستمرار في استخدامها لفترات طويلة يؤدي إلى نفس التأثيرات الصحية السلبية”. وأكد على ضرورة استخدامها كأداة انتقالية فقط، ولمدة قصيرة وتحت إشراف طبي لتجنب المخاطر المحتملة.
قلق عالمي وإجراءات حكومية
وفي إطار الإجراءات الحكومية، أصدرت منظمة الصحة العالمية في يوليو/تموز الماضي إرشادات جديدة أكدت فيها أن الأدلة حول تأثيرات السجائر الإلكترونية معقدة، ولا يمكن التوصية بها كوسيلة آمنة للإقلاع عن التدخين بسبب قلة المعلومات حول تأثيراتها طويلة الأمد. كما أعلنت الحكومة البريطانية مؤخراً عن حظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد اعتباراً من يونيو/حزيران المقبل في محاولة للحد من انتشارها بين الشباب.
من جانبها، دافعت جمعية صناعة السجائر الإلكترونية في المملكة المتحدة عن منتجاتها، حيث قالت المتحدثة العلمية باسم الجمعية، الدكتورة مارينا مورفي، إن “ملايين الأشخاص يستخدمون السجائر الإلكترونية بأمان منذ سنوات، وجميع البيانات المتاحة تشير إلى أن مخاطرها الصحية لا تتجاوز 5% من مخاطر السجائر التقليدية”.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الصحية في المملكة المتحدة تلقت أكثر من ألف بلاغ عن أعراض جانبية مرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية، مثل الصداع، والجلطات الدماغية، وأمراض الجهاز التنفسي، بالإضافة إلى 5 حالات وفاة مؤكدة نتيجة لاستخدامها.
ومع تزايد الأدلة العلمية حول المخاطر الصحية للسجائر الإلكترونية، يبدو أن الفكرة السائدة بأنها “بديل آمن” بحاجة إلى إعادة النظر. وبينما يستمر الجدل حولها، يبقى السؤال الأهم: هل تستحق السجائر الإلكترونية كل هذه المخاطرة؟