صرخة “وا معتصماه” حقيقة تاريخية أم مجرد تعبير متداول؟

الخليفة العباسي المعروف المعتصم بالله، توفي في 5 يناير عام 842 ميلادية، وارتبط اسمه بصرخة مشهورة تُقال “وا معتصماه”. فهل هذه الصرخة كانت تُقال بالفعل أم أنها مجرد تعبير متداول؟
تروي القصة أنه كان هناك رجل قد ذهب إلى المعتصم وقال له: “يا أمير المؤمنين، عندما كنت في عمورية، رأيت امرأة عربية في السوق تبدو وقورة وجليلة تُقتاد إلى السجن، وكانت تصرخ قائلة: ‘وامعتصماه، وامعتصماه’. فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية جاء فيها: ‘من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، أخرج المرأة من السجن وإلا سأرسل إليك جيشاً يمتد من عندك إلى عندي.’ لكن الأمير الرومي لم يستجب، فاستعد المعتصم جيشه وقرر محاصرة عمورية متوجهًا إليها.
.jpg)
حرب عمورية
صيحة “وامعتصماه وامعتصماه” التي أطلقتها امرأة في عمورية (إحدى مدن محافظة “أفيون قره حصار” في تركيا الحالية)، تُنسب إليها معركة عمورية بين الجيوش العباسية وجيش الروم، ولكن يبقى حقيقة هذه المقولة ومدى ارتباطها بنشوب المعركة بسببها أمرًا غامضًا في التراث.
في البداية، تُعتبر العبارة “وامعتصماه وامعتصماه” متداولة في العديد من كتب التاريخ والنقد الأدبي للروايات التاريخية، ولكنها لم تُنسب إلى مؤرخ إسلامي محدد، كما أنه لم يُذكر اسم المرأة التي أطلقت هذا النداء كاستغاثة بالخليفة العباسي المعتصم بالله.
.jpg)
حرب عمورية
وربط المعركة بالجملة المذكورة سابقًا قد يكون إحدى الحكايات الشعبية، حيث تنسبها العديد من الدراسات والكتب إلى مؤرخين دون ذكر أسمائهم، مثل كتاب “أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام: فتاوى جديدة” ودراسة في مجلة “الوعي الإسلامي – الأعداد 393-398″ و”معجم المعارك الإسلامية” لنجاة سليم محاسيس، و”علو الهمة في محبة الله ورسوله” لسيد عبد العاطي محمد. لكن المثير للدهشة أن معظم الدراسات اختلفت أيضًا في تاريخ معركة عمورية، حيث يشير البعض إلى أنها حدثت عام 223هـ، بينما يقول آخرون إنها كانت عام 224هـ، والبعض الآخر يعتبر أنها وقعت عام 225هـ.
.jpg)
حرب عمورية
الجملة قد تتكرر بشكل أكبر في العديد من الدراسات النقدية لعدد من الروايات التاريخية، كما تشير دراسة “النقد الأدبي في البحرين خلال القرن العشرين: تسليط الضوء على بدايات الماضي” للدكتور سرحان منصور، المتعلقة بعمل مسرحي عُرض في عام 1932 للشاعر البحريني إبراهيم العريض.
أما المعركة التي حدثت في عام 839 ميلادية، فقد كانت الأوضاع بين الخلافة الإسلامية والبيزنطيين غير مستقرة. وبدأ التحضير لهذه المعركة في عام 214 هـ، الذي يوافق 829 م، حيث تولى الشاب توفيل بن ميخائيل حكم الإمبراطورية البيزنطية. وكانت الحروب بين المسلمين والبيزنطيين مستمرة على مدى قرنين من الزمن بفترات متقطعة، وتم توقيع هدنة استمرت عشرين عاماً بسبب الفتنة التي حدثت في عصر الخلافة العباسية بين الأمين والمأمون، ولأن الإمبراطورية البيزنطية كانت أيضًا متعبة نتيجة الحروب السابقة.
كان توفيل طموحًا وساند حكومته وسياساته الدينية بقوة جيشه. في تلك الأثناء، كانت الخلافة العباسية تعاني من تهديدات خطيرة، ممثلة في خطر بابك الخرمى. في عهد المأمون، كاد الخرمية بقيادة بابك أن يقضوا على الخلافة الإسلامية العباسية. حاول المأمون القضاء عليهم من خلال إرسال حملات عسكرية، لكنه توفي دون أن يحقق نجاحًا. وانتقلت المهمة إلى الخليفة المعتصم بالله، الذي تمكن من إخماد الفتنة. وكان بابك قد تواصل مع توفيل طالبًا منه مهاجمة الخلافة الإسلامية العباسية التي كانت منشغلة بقتالهم.