يُعد المطبخ الجزائري جزءاً مهماً من التراث الثقافي للبلاد، إذ يعكس تاريخاً طويلاً من التفاعل بين مختلف الحضارات التي مرت عبر الجزائر. ومن أبرز الأطباق التقليدية التي تتميز بلمسة خاصة في الهوية الغذائية الجزائرية نجد “الرشتة”، وهي أكلة شعبية قديمة تبرز من خلال طريقة تحضيرها الفريدة ومذاقها اللذيذ. لم تقتصر شهرة الرشتة على الجزائر فقط، بل تجاوزت حدودها لتصبح من الأطباق المعروفة عالمياً، خاصة بعد أن حققت مراكز متقدمة في تصنيفات الأطعمة التقليدية. فما هو أصل هذه الأكلة؟ وكيف أصبحت رمزاً للمناسبات في الجزائر؟
الجذور التاريخية
يحمل اسم “الرشتة” جذوراً لغوية عميقة، حيث يعتقد البعض أن التسمية تعود إلى اللغة الفارسية، حيث تعني “رشتة” الخيط، وهو ما يتناسب مع شكل العجينة الرفيعة والطويلة. كما يعتقد آخرون أن الأمازيغ في الجزائر استلهموا الاسم من الجذر اللغوي “rkt” أو “rcht”، مما يعكس التنوع الثقافي في المنطقة.
وقد ورد ذكر طبق “الرشتة” في كتاب “رحلة ابن خلدون غرباً وشرقاً”، حيث أشار المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون إلى تناوله لهذا الطبق أثناء لقائه بالقائد المغولي تيمورلنك في دمشق عام 803 هجرياً.
الرشتة بين الأندلس والجزائر
تُحكى بعض الروايات أن أصول الرشتة تعود إلى المطبخ الأندلسي، حيث كانت تحضر في إسبانيا الإسلامية قبل أن تنتقل إلى شمال أفريقيا مع موجات المهاجرين الأندلسيين بعد سقوط غرناطة عام 1492. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الأكلة جزءاً من التراث الجزائري، وخاصة في العاصمة ومناطق الشمال، حيث تطورت طريقة تحضيرها لتتناسب مع الذوق المحلي.
طريقة التحضير والمكونات
تتميز “الرشتة” بطريقة تحضير مميزة، إذ تُصنع من عجينة تتكون من الدقيق والملح والماء، وتُرقّ حتى تصبح شرائح رفيعة تشبه “الكنافة” من حيث الشكل، لكنها تختلف في طريقة التحضير والمذاق. يتم تبخيرها بدلاً من طهيها على صفيحة ساخنة، ثم تُطهى في إناء بخار بعد أن تُرش بقليل من الزيت والتوابل لإضفاء نكهة خاصة عليها.
يُرافق هذا الطبق مرق غني يُحضّر إما من اللحم أو الدجاج، مع إضافة الحمص والخضروات مثل الكوسة واللفت والجزر. وهناك نوعان رئيسيان من الرشتة:
- الرشتة البيضاء: تُحضّر بمرق دون طماطم وتُضاف إليها القرفة لمنحها نكهة مميزة.
- الرشتة الحمراء: تُضاف إليها الطماطم لإكسابها لوناً غنياً، ولكنها أقل انتشاراً.
الرشتة في المناسبات الجزائرية
يعتبر طبق الرشتة من الأطباق المرتبطة بشكل وثيق بالمناسبات الدينية والاجتماعية في الجزائر. يتم تحضيره وتقديمه خلال عيد الفطر، والمولد النبوي الشريف، إضافة إلى كونه من الأطباق التقليدية التي تزين الموائد في الأعراس والتجمعات العائلية الكبيرة. كما يحظى بشعبية خاصة في شهر رمضان، لما له من قيمة غذائية عالية وسهولة في الهضم.
وفي عام 2022، صنف طبق الرشتة الجزائري في المرتبة السابعة عالميا ضمن تصنيف موقع “تايست أتلاس” (TasteAtlas) لأفضل الأطباق التقليدية في العالم.
طريقة تحضير الرشتة
المكونات (لتحضير العجينة):
- 500 غرام من دقيق القمح الصلب (سميد ناعم).
- ملعقة صغيرة من الملح.
- ماء دافئ حسب الحاجة.
- ملعقة صغيرة من الزيت.
لتحضير المرق:
- قطع دجاج أو لحم حسب الرغبة.
- بصلة كبيرة مفرومة.
- كوب من الحمص المنقوع مسبقا.
- 2 حبة كوسة مقطعة إلى أنصاف.
- 2 حبة جزر مقطعة إلى دوائر.
- نصف ملعقة صغيرة من القرفة.
- ملح وفلفل أسود حسب الذوق.
- ملعقة صغيرة من السمن أو الزبدة.
- ماء كافٍ للطهي.
خطوات تحضير العجينة:
- في وعاء عميق، يخلط الدقيق مع الملح، ثم يضاف الماء تدريجياً حتى تتشكل عجينة متماسكة ولينة.
- تعجن العجينة جيداً لمدة 10 دقائق حتى تصبح ملساء.
- تفرد العجينة على سطح مرشوش بالدقيق، ثم تقطع إلى شرائح رفيعة جداً تشبه الشعيرية.
- تترك الشرائح لتجف قليلاً قبل الطهي.