المسلمون في الغرب ودعمهم لغزة!

لم تتوقف آلة الحرب والقتل ضد النساء والأطفال والمدنيين في غزة لأكثر من 500 يوم، بينما استمر رمضان والعيد وسط هذه الحروب. وقد تلاشى إنسانية العالم الغربي المتحضر، وغابت قيمه ومبادئه التي طالما دافع عنها. كما عجز الجيران العرب عن تقديم أبسط أشكال الدعم والمساعدة لإخوانهم في غزة، المتمثلة في الإغاثة الإنسانية من خلال توفير الغذاء والدواء. ورغم أن المسلمين في الغرب قاموا بدور كبير وفاعل في نصرة قضية فلسطين، إلا أن زخم هذا الدور قد تراجع كثيراً بسبب طول مدة الحرب.
أظهرت أحداث غزة إنسانية الشعوب غير المسلمة ودعمها للقضايا العادلة، على عكس مواقف الحكومات والساسة. ومن الضروري التأكيد على أن جميع أساليب دعم فلسطين يجب أن تكون قانونية وسلمية وحضارية وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصية لكل دولة.
لكن الطلاب في الجامعات الأميركية أعادوا إحياء وتفعيل هذا النشاط، حيث تنامت الاعتصامات والاحتجاجات في أكبر الجامعات الأميركية رفضًا للحرب ومطالبة بوقفها. وهو ما لم تشهده الجامعات العربية، سواء بشكل مماثل أو أقل، نتيجة لسياسة القمع ومصادرة الحريات التي انتقلت عدواها إلى أميركا. فقد رأينا مشاهد لاعتقال الشرطة لرؤساء أقسام وأساتذة وطلاب، لم يفعلوا شيئًا سوى المطالبة بوقف الحرب واستخدام حقهم القانوني في حرية التعبير. ومن المفارقات أن الشرطة في أوروبا تدافع عن الذين يحرقون نسخًا من القرآن أو يهينون مقدسات المسلمين باسم حرية التعبير، ثم يتلاشى هذا الحق والقانون عندما يتعلق الأمر بفلسطين!
تؤكد احتجاجات الطلاب في أميركا أن دور المسلمين في الغرب في دعم غزة أكبر من غيرهم، خاصة في ظل القمع وانتهاك الحريات في العالم العربي مقارنة بالحريات المتاحة في الغرب، رغم تراجع هذه الحريات بشكل ملحوظ في الأحداث الراهنة. تعيد هذه الانتفاضة الطلابية طرح مسألة النصرة كواجب شرعي، وفقاً لقوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر”.
أظهرت أحداث غزة إنسانية الشعوب غير المسلمة ودعمها للقضايا العادلة، وذلك على عكس مواقف الحكومات والسياسيين. ومن الضروري التأكيد على أن جميع أشكال الدعم لفلسطين يجب أن تكون قانونية وسلمية وحضارية، مع مراعاة الخصوصيات الخاصة بكل بلد والالتفات إلى النتائج والعواقب المصاحبة لكل فعل، بشكل متوازن وعاقل. يجب ألا نحاصر أنفسنا بالامتناع عن أي شكل من أشكال الدعم للمظلومين، ولا ينبغي علينا الاندفاع في أفعال ومواقف قد تضر أكثر مما تنفع، أو تفسد أكثر مما تصلح. ومن بين أشكال الدعم الممكنة والفعالة في الغرب، نجد ما يلي:
- الاحتجاجات السلمية:
لا شك أن التظاهرات والاعتصامات السلمية القانونية مشروعة، حيث إنها تدخل في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يمكن أن نغفل أن القتل والظلم هما منكران يتوجب إيقافهما، بينما العدل هو معروف يجب الدعوة إليه. تعتبر الاحتجاجات وسيلة للتعاون على البر والتقوى، وقد أكد العلماء أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد، وأن ما لا يتم الواجب إلا من خلاله يصبح واجباً. وقد أظهرت هذه الأحداث وغيرها أهمية هذه التظاهرات في توضيح حقيقة البغي والظلم الذي يتعرض له أهل غزة. لو لم تكن هذه الوسيلة مجدية وفعالة، لما تم الاعتراض عليها ورفضها. ومع ذلك، يجب أن تستمر هذه التظاهرات ما دامت الحرب قائمة، وأن تكون بأسلوب وثقافة ومشاركة أوروبية.
أصبح بإمكان كل فرد أن يمتلك قناة إعلامية بمفرده، ويمكن للجيل الجديد من أبناء المسلمين في الغرب استغلال هذه الوسائل لتسليط الضوء على ما يحدث من اعتداءات ضد الأطفال والنساء والمدنيين في غزة.
- الإغاثة المالية والطبية:
قدّم القرآن الكريم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في تسعة سياقات، ولم يُفضل الجهاد بالنفس على المال إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111]، وذلك للتأكيد على أهمية وضرورة الدعم المالي واستمراره، شريطة أن يتم بشكل قانوني وأن يقتصر على دعم وإغاثة الأطفال والمدنيين. ومع اقتراب عيد الأضحى، يجب على المسلمين في الغرب أن يخصصوا أضاحيهم هذا العام لغزة، فهم أولى بها. ويمكنهم القيام بذلك من خلال توكيل المؤسسات الإغاثية للقيام بذبح الأضاحي في أيام التشريق، حتى وإن تأخر وصول الأضاحي إليهم بعد العيد، فلا حرج في ذلك. كما يتعين على الأطباء في الغرب أن يقوموا بدورهم في إرسال المساعدات الطبية والتطوع لعلاج الجرحى والمصابين عندما تسمح الظروف بذلك.
- الدعم الإعلامي:
شهدت وسائل الإعلام والتواصل تطوراً كبيراً، وأصبح بإمكان كل فرد أن يمتلك قناة إعلامية خاصة به. يستطيع الجيل الجديد من أبناء المسلمين في الغرب استخدام هذه الوسائل للتعريف بما يحدث من عدوان على الأطفال والنساء والمدنيين في غزة، وكشف ازدواجية المعايير الغربية وتناقضاتها في قضية فلسطين العادلة. لقد شهدنا كيف اعتنق العديد من الأوروبيين الإسلام إثر مشاهدة تلك الصور المؤلمة القادمة من غزة، حيث وجد بعضهم في هذه المشاهد قضاءً على تساؤلاتهم ومفاهيمهم الخاطئة حول تناقضات الإسلام والقرآن وقسوته، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾ [الحج: 21] وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 56]. وبعد أحداث غزة، قالوا إن هناك أناساً فعلاً يستحقون هذه الدرجة من العذاب في الآخرة، فصدق الله العظيم، ودخلوا الإسلام وأصبحوا من الموحدين.
لا يجوز أبداً أن يتظاهر الطلاب في الجامعات الأمريكية دعماً لغزة في حين تصمت بعض وسائل الإعلام في الغرب عن حتى الدعاء لهم وتوعية المسلمين بواجبهم تجاه إخوانهم!
- النصرة الروحية:
بالاستمرار في الالتزام بأمر الله والإلحاح في الدعاء ليرفع الظلم ويوقف الحرب على أهلنا في غزة، ولإمدادهم بروح من عنده، يجب علينا ألا نستجيب للمثبطين والنافقين. فقد وعد الله سبحانه وتعالى بالإجابة عند الدعاء، ويقول العلماء إنه عندما ينطلق لسانك بالدعاء، فهذا يعني أنه يريد أن يمنحك. والدعاء هو أعلى درجات العبودية لله تعالى. وقد تأتي الإجابة في شكل منع الأذى وتقليل تأثير الحرب، أو قد تظهر كصمود وثبات أسطوريين نشهده. فهل يمكن أن نفكر منطقيًا أن تقاوم مجموعة صغيرة ومضطهدة أمام أقوى جيوش العالم لمدة سبعة أشهر، إلا بفضل الدعم الإلهي؟ رحمه الله الإمام الشافعي عندما قال:
أتهين الدعاء وتحتقره .. ولا تعلم ما وبّخه الدعاء.
رصاص الليل لا يخطئ، ولكن له وقت محدود وأن لهذا الوقت نهاية.
فيمسكها عندما يرغب ربي .. ويطلقها حينما يتحقق القدر.
لا يجوز أن يخرج الطلاب في الجامعات الأميركية للاحتجاج من أجل غزة بينما تبقى بعض المنابر في الغرب صامتة حتى عن الدعاء لهم وتذكير المسلمين بواجبهم تجاه إخوانهم!
- المشاركة السياسية:
يجب على المسلمين في الغرب أن يتحلوا بالوعي السياسي وينضموا إلى بعضهم البعض في كل انتخابات محلية أو أوروبية. ينبغي أن تكون معايير اختيارهم وتصويتهم موجهة نحو من يرفض العنف والظلم، ويعزز القيم والمبادئ الإنسانية، ويدعم الحريات العامة، وأن يتخذوا مواقف بعقوبات تجاه من يدعم الظالم والمعتدي والمحتل بطرق حضارية وقانونية في الانتخابات القادمة والمستقبلية.
لم يعد من المناسب أن تظل قضية المشاركة السياسية محصورة في دائرة المحرمات والمكروهات، نظراً لأنها تتعارض مع مبدأ الولاء والبراء. يجب علينا نقلها إلى دائرة الواجبات والضرورات، لأن ما لا يتم الواجب إلا به يصبح واجباً. كما قال الأستاذ نجم الدين أربكان رحمه الله: المسلمون الذين لا يهتمون بالسياسة، سيحكمهم سياسيون لا يهتمون بدين الإسلام.
- المقاطعة:
تُعد وسيلة سلمية وحضارية وقانونية متاحة للجميع، ولها تأثيرات تربوية على الأطفال والصغار، حيث ينبغي تربيتهم على رفض مساعدة الظلم بكافة أشكاله وصوره. يجب أن نعلمهم المبادئ والقيم الإنسانية التي ترفض دعم من يساند قتل الأطفال بالأموال التي يجنيها من شراء منتجاته.
الآراء المذكورة في المقال قد لا تعكس بالضرورة وجهة نظر التحرير لموقع آخر بوست.