دنيا

خرافات كورية بين التقليد والتكنولوجيا

بالرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي أحرزته كوريا الجنوبية في العقود الأخيرة، ما زالت بعض الخرافات والمعتقدات القديمة تحظى بشعبية كبيرة في المجتمع الكوري. من العرافات، إلى الأرقام المشؤومة، وصولاً إلى الألوان المقرونة بالموت، يتضح أن بعض العادات الشعبية ما زالت تؤثر في حياة الكوريين حتى اليوم.

في هذا المقال، نستعرض أبرز هذه الخرافات ونلقي الضوء على آراء المواطنين الكوريين بشأنها، كما نستطلع رأي أحد الخبراء في الأنثروبولوجيا حول دلالاتها الثقافية.

الرقم المشؤوم: 4

الرقم 4 يُعتبر رمزًا للموت في الثقافة الكورية بسبب التشابه اللفظي بين كلمة “أربعة” وكلمة “موت” في اللغة الكورية. لذلك، من الشائع أن تُستبدل أرقام الطوابق أو الغرف التي تحتوي على الرقم 4 بحرف “F”، أو أن يتم تجنب ذكره تمامًا في العديد من الأماكن مثل المستشفيات أو المباني السكنية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر وجود الرقم 4 بشكل سلبي على قيمة العقار.

البروفيسور جيهيون بارك، خبير الأنثروبولوجيا في جامعة سول، يوضح أن هذا الاعتقاد لا يقتصر على كوريا، بل ينتشر في معظم دول شرق آسيا. ويعزي ذلك إلى أن ثقافة المنطقة تتمسك بالأفكار المتعلقة بالتوافقات بين الأرقام والكلمات والأحداث في الحياة اليومية، مما جعل الرقم 4 يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالموت.

اللون الأحمر: رمز الموت

اللون الأحمر في كوريا ليس مجرد لون ملفت، بل هو مرتبط بشكل كبير بالموت. في الماضي، كان يُكتب اسم الشخص المتوفى بالحبر الأحمر على السجلات العائلية والشواهد القبرية. وبسبب هذه العادة القديمة، أصبح اللون الأحمر يرمز إلى الموت، وأصبح من المحظور كتابة أسماء الأحياء بهذا اللون لأنه يُعتبر فألًا سيئًا. البروفيسور بارك يشرح أن هذه المعتقدات تتعلق بالشامانية الكورية القديمة، حيث كان يُعتقد أن اللون الأحمر له قدرة على طرد الأرواح الشريرة.

الثوم: طرد الأرواح الشريرة

الثوم في الثقافة الكورية لا يُعتبر مجرد عنصر غذائي، بل له مكانة أسطورية. تُروى قصة في التراث الكوري عن زوجين من الآلهة الذين أعطوا الثوم لشخص بشري كاختبار لصبره وإيمانه. الثوم يُستخدم في العديد من الأطعمة الكورية التقليدية، مثل الكيمتشي، وهو يُعتبر وسيلة لحماية المنازل من الأرواح الشريرة. في بعض الأحيان، يُستخدم الثوم أيضًا في الطقوس الشامانية لتعزيز الحماية.

العرافات: قراءة المستقبل

ظاهرة العرافات (مودانغ) لا تزال رائجة في كوريا الجنوبية، حيث يزور العديد من الكوريين العرافات من أجل الحصول على نصائح حول المستقبل. يعتبر البعض أن العرافين هم ورثة الشامانات الذين كانوا يطلقون الأحكام بين عالم الأرواح والناس. البروفيسور بارك يعتقد أن هذه الظاهرة تعود إلى التاريخ الطويل للشامانية في كوريا، حيث كانت العرافات تُعتبر مصدرًا للطمأنينة في مجتمع يتسم بالتنافسية العالية، خاصة في مجالات الدراسة والعمل.

القمر البدر: الحظ السيئ

البعض في كوريا يعتقدون أن النظر إلى القمر البدر قد يجلب الحظ السيئ أو يؤثر سلبًا على الأحلام. وهذه المعتقدات تظهر أيضًا في احتفالات تقليدية مثل “تشوسوك”، الذي يُشبه عيد الشكر في الثقافات الغربية، حيث يُقال إن النظر إلى القمر الكامل قد يؤدي إلى تحريك الأرواح الشريرة.

آراء الكوريين: بين التقليد والحداثة

في مقابلة مع الجدة لي يونغ جونغ (67 عامًا)، قالت “الرقم 4 ما زال يزعجني قليلاً وأشعر بثقل في قلبي عندما أراه. الكتابة باللون الأحمر بالنسبة لي محظورة، فقد كان يُستخدم في سجلات الجنائز، ولا أحتمل رؤيته في أسماء الأحياء”. وأضافت “فيما يخص الثوم، فقد كان يُعتبر وسيلة لحماية المنزل من الأرواح الشريرة، وأنا أُحب تناول الثوم لأنه جزء من ثقافتنا”.

من ناحية أخرى، قال كيم مين سو (24 عامًا)، وهو شاب كوري، إنه لا يؤمن بهذه الخرافات. وأضاف “الرقم 4 بالنسبة لي مجرد رقم، واللون الأحمر لا يزعجني”. وأكد أن “الثوم جزء من طعامنا اليومي، ولا أراه سوى مكونًا غذائيًا”.

الثقافة الشعبية في كوريا الجنوبية

على الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير الذي حققته كوريا الجنوبية، فإن العديد من هذه الخرافات ما زالت متأصلة في الثقافة الشعبية، خاصة بين الأجيال الأكبر سنًا. بينما يميل الشباب إلى التقليل من أهميتها، إلا أنهم لا يزالون يحتفظون بها كجزء من التراث الثقافي الذي يعكس هوية المجتمع الكوري.

بهذا المقال، تبيّن كيف تظل بعض الخرافات والمعتقدات الشعبية تؤثر على حياة الكوريين رغم تقدمهم الكبير في مختلف المجالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى