لماذا نشعر بالكراهية؟ منظور مختلف حول ‘المشاعر السلبية

غالبًا ما يُعتبر الكره “عاطفة” مشابهة للحب أو الخوف أو الحزن. ومع ذلك، لا تُعتبر الكراهية شعورًا فطريًا، بل هي سلوك مكتسب يتطور بمرور الوقت نتيجة تداخل مجموعة من المشاعر والظروف الخارجية، مثل الخوف والغضب والتوتر والتكيف الاجتماعي. ولكن كيف نكتسب الكراهية، وهل يمكننا التغلب عليها؟
الجذور الثقافية لـ”الكره”
لكلمة “كراهية” أصول تاريخية عميقة تختلف من ثقافة إلى أخرى. كلمة “Hate” الإنجليزية تستند إلى كلمة “Hatian” التي تعني حرفياً “الاحتقار” أو “تمني الشر” للآخرين، وهي مشتقة من الكلمة الجرمانية القديمة “Hatajan” والكلمة الهندو أوروبية القديمة “Kad” التي تعني “الحزن” أو “المعاناة”. وهذا يشير إلى أن الكراهية مرتبطة أساساً بالألم، وليس بالضرورة بالعداء.
مع مرور الزمن، تغير معنى الكلمة وأصبحت تُستخدم في تعبيرات متنوعة. فعلى سبيل المثال، قد تُستخدم للتعبير عن انزعاج بسيط، مثل قول “أنا أكره الخضروات” أو “أكره الذهاب إلى العمل”. كما يمكن استخدامها بشكل أقوى للإشارة إلى مشاعر سلبية عميقة وحتمية، كأن يكون هناك كره شديد لشخص ما لأسباب متعددة، مثل الغيرة أو الأذى الذي تسبب به هذا الشخص، وغير ذلك.
تُستخدم كلمة “كراهية” أيضًا في سياق إيجابي، حيث تُعبر عن الالتزام بمبادئ أخلاقية نبيلة، مثل أن نقول “أنا أكره الظلم”. ولكن، تأخذ الكراهية شكلًا شديد الخطورة عندما تؤدي إلى انقسامات اجتماعية أو سياسية عميقة، وتساهم في التمييز والعنف، أو تؤدي إلى النزاعات والحروب. بمعنى آخر، يمكن توجيه الكراهية نحو الأفراد أو الأفكار أو حتى إلى مجموعات عرقية أو دينية كاملة.

لماذا نكره؟
لكن إذا لم تكن الكراهية شعورًا، فما هي إذن؟ في أساسها، تُعتبر الكراهية مجرد رد فعل للخوف والقلق والغضب. ويمكن أن تتعزز من خلال التجارب الشخصية المؤلمة أو الضغوط الاجتماعية أو الروايات الثقافية. بمعنى آخر، الكراهية ليست شيئًا نولد به، بل نتعلمه مع مرور الوقت. إليكم أبرز الأسباب التي تزيد من الكراهية:
الخوف من “الآخر”
يعتبر الخوف عاملًا رئيسيًا في تكوين مشاعر الكراهية، حيث يميل الأفراد عادة إلى كره ما لا يستطيعون فهمه أو ما يشعرون بأنه يشكل تهديدًا لهم. وهذا هو بالضبط ما يعزز كراهية الأجانب والتحيزات العنصرية، كمثال بارز على ذلك.
وفقًا للدكتورة “إيه جيه مارسدن”، أستاذة مساعدة في علم النفس والخدمات الإنسانية بجامعة “بيكون” في ليزبورغ، فلعل أحد الأسباب الأساسية للكراهية هو الخوف من الاختلاف، حيث يميل الناس عادةً إلى رفض كل ما لا يتشابه معهم.
يؤكد الباحث السلوكي “باتريك وانيس” على هذه الفكرة استنادًا إلى نظرية “المجموعة الداخلية والمجموعة الخارجية”، التي تفترض أن البشر، عندما يشعرون بالتهديد من الغرباء، يتجهون بشكل غريزي نحو الانضمام إلى مجموعاتهم الخاصة كوسيلة للبقاء. في هذه الحالة، تتكون ثنائيات “نحن” مقابل “هم”، وهي من أخطر الثنائيات التي تثير الكراهية بين الجماعات.
منذ العصور القديمة، عاش الإنسان في قبائل أو عشائر، وقد شكل هويته بناءً على العرق أو الدين أو الجنسية أو الأيديولوجيا، مما عزز شعوره بالانتماء إلى مجموعته. بالمقابل، كان يُنظر إلى من لا ينتمي لهذه المجموعة كـ “عدو” أو كتهديد.
مع تزايد هذه الأفكار، تتعمق مشاعر الكراهية، مما يزيد من حدة الانقسامات في المجتمع، وقد تتحول في كثير من الأحيان إلى أشكال أكثر خطورة تُستخدم لتبرير التمييز أو حتى العنف.
الخوف من أنفسنا
وفقًا لعالمة النفس الأمريكية دانا هارون، فإن الصفات التي يكرهها الناس في الآخرين غالبًا ما تكون تلك التي يخشون وجودها في أنفسهم. تقارن هارون هذه الظاهرة بمرآة تعكس الجوانب السلبية للذات، حيث يتسبب الخوف من مواجهة هذه الجوانب في إسقاطها على الآخرين. بمعنى آخر، يعتمد الكاره هنا على أسلوب الدفاع: “لست أنا السيء، بل أنت”. تنبع هذه الآلية من حاجتنا إلى الشعور بأننا جيدون، مما يدفعنا لإسقاط “الشر” على الآخرين وهاجمتهم من خلال الكراهية وإصدار الأحكام.
الغضب والتجارب الشخصية المؤلمة
يعد التوتر والغضب من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى الكراهية. عندما يشعر الناس بالعجز أو التعب أو الإحباط، فإنهم يسعون للعثور على سبب أو شخص يوجهون إليه اللوم، وتصير الكراهية وسيلة لإخراج المشاعر السلبية. يتضح ذلك، على سبيل المثال، في تحميل مجموعات معينة مثل المهاجرين مسؤولية الأزمات الاقتصادية أو ارتفاع معدلات الجريمة أو تدهور المجتمع.
قد تؤدي التجارب الشخصية المؤلمة إلى تنمية مشاعر الكراهية على المستوى الفردي. فتعرض الشخص للأذى أو الظلم أو الخيانة أو الإقصاء يمكن أن يدفعه لتطوير كراهية عميقة اتجاه الآخرين. وفي كثير من الحالات، يتحول الألم الشخصي إلى كراهية شاملة تستهدف مجموعات بأكملها بدلاً من الاقتصار على الأفراد الذين تسببوا في الأذى. بمعنى آخر، تتحول الكراهية هنا إلى رد فعل على شكل من أشكال الألم الداخلي، وأداة لتشتيت الانتباه عنه. وقد يعتقد الشخص أن السبيل الوحيد لاستعادة شعوره بالقوة هو من خلال توجيه الكراهية نحو الآخرين ومهاجمتهم، مما يمنحه شعورًا مؤقتًا بالراحة من معاناته الداخلية.
العوامل الاجتماعية والثقافية
لكن متى تتكون لدينا مشاعر الكراهية؟ من الممكن جداً أن يكتسب الإنسان الكراهية منذ طفولته، حيث يمكن أن تساهم الأسرة أو وسائل الإعلام أو المجتمع في تعزيز هذه المشاعر، خاصة الكراهية الموجهة نحو المجموعات الأخرى. إذ تتحول شيطنة الطرف الآخر إلى اعتقاد راسخ يغذي التعصب والتمييز والعنصرية.
في العصر الحالي، أصبح من السهل أكثر من أي وقت مضى انتشار الكراهية وتداولها، خصوصًا مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير في تفشي الكراهية من خلال نشر الأفكار المتطرفة والمعلومات المغلوطة دون رقابة أو محاسبة.
لا تتوقف تأثيرات الكراهية عند حدود العلاقات مع الآخرين، بل تشمل أيضًا تدمير الروابط الأسرية والمهنية، وتعزيز الانقسامات داخل المجتمع والصراعات السياسية وعرقية، والتي يمكن أن تتفاقم إلى عنف مثل جرائم الكراهية أو الإرهاب.
على الصعيد الشخصي، تؤثر الكراهية بشكل سلبي على الفرد، حيث تستهلك طاقته وتزيد من إحساسه بالضعف والعزلة، كما تسبب بعض الأعراض الجسدية مثل توتر العضلات، صرير الأسنان، واضطرابات في الجهازين العصبي والمناعي.
أظهرت الأبحاث أن الكراهية تؤثر على كيمياء الدماغ، حيث تنشط مناطق العدوان وتثير استجابة “القتال أو الهرب”، مما يزيد من مستويات الكورتيزول والأدرينالين، ويؤدي إلى مشكلات مثل الأرق والقلق والاكتئاب وزيادة الوزن.
تقود الكراهية إلى التفكير الوسواسي والقلق المستمر، مما يساهم في زيادة الالتهابات في الجسم ويرفع من احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة. لذلك، ليس من الغريب أن يُقال إن الكراهية تؤذي صاحبها قبل أن تؤذي الآخرين.
كيف نتغلب على الكراهية؟
الكراهية ليست نزعة فطرية، بل هي سلوك مكتسب يمكن التغلب عليه. تبدأ المواجهة بالوعي؛ حيث أن فهم أن الكراهية غالبًا ما تكون نتيجة للخوف أو الغضب أو التوتر يساعد في كشف جذورها والتعامل معها.
من الضروري أن نفهم أن القضاء على الكراهية لا يعني بالضرورة أن نحب الذين كنا نكره، بل يكفي أن نحقق حالة من الحيادية العاطفية، ونتوقف عن التفكير السلبي تجاه الشخص المعني، فالكراهية توصلنا إليه بطريقة غير واعية وتستنزف طاقتنا.
على نطاق أوسع، يمكن مواجهة كراهية الجماعات الأخرى من خلال الانفتاح على ثقافات وتجارب متنوعة، مما يقلل من مشاعر الخوف ويحد من التعميمات والصور النمطية. كما تساهم التفاعلات الحقيقية مع أشخاص من خلفيات مختلفة في تعزيز جسور الفهم.
وأخيرًا، فإن تعزيز مشاعر التسامح والتعاطف يساعد في تقليل مشاعر الكراهية، من خلال محاولة فهم الظروف والتجارب التي يمر بها الآخرون. فرغم أن الكراهية قد تبدو قوية، إلا أنه يمكن التحكم فيها من خلال تنظيم المشاعر، والسيطرة على الغضب، والسعي لفهم الآخرين بدلاً من إصدار الأحكام.