13/3/2025 – | آخر تحديث: 13/3/2025 الساعة 11:20 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة.
أثارت مجلة لوبس موضوع الجرائم التي تم ارتكابها خلال احتلال الجزائر والحروب الاستعمارية الأخرى مثل حرب الهند الصينية، وذلك بالتزامن مع سحب القناة الفرنسية الخامسة لفيلم وثائقي يكشف عن استخدام فرنسا للأسلحة الكيميائية. كما تم توقيف صحفي بسبب مقارنته لهذه الجرائم بما ارتكبته القوات النازية في فرنسا.
ذكرت الصحيفة في مقال كتبه دوان بوي شهادة ضابط إسباني تعود إلى يونيو/حزيران 1845، حيث قال: “لا يوجد شيء يمكن أن يعبر عن المشهد المفزع الذي أوجده الكهف. كانت جميع الجثث عارية وفي أوضاع تدل على التشنجات التي عانوا منها قبل وفاتهم، وكان الدم يخرج من أفواههم. ولكن ما زاد من الرعب هو رؤية الأطفال الرضع ملقين بين بقايا الأغنام وأكياس الفاصوليا”.
ذكرت المجلة أن هذا ليس وصفًا لكنيسة أورادور سور غلان، حيث تم احتجاز 450 امرأة وطفلاً وإحراقهم على يد الألمان في التاسع من يونيو 1944، بل هو شهادة ضابط إسباني في يونيو 1845، أي قبل حوالي قرن من وقوع حادثة الكنيسة، أمام غار الفرشيح، حيث أضرم العقيد بيليسييه النيران، وسجلت هيئة الأركان العامة 760 قتيلاً، كان معظمهم من النساء والأطفال.
سياسة المحرقة
تندرج هذه الممارسات تحت سياسة “المحرقة” التي أمر بها المارشال بوجو، وهي استراتيجية تهدف إلى قمع المقاومين الجزائريين خلال فترة الاستعمار، وقد تم تنظيمها بواسطة أحد “أبطالها” المارشال بيجو الذي قال: “إذا لجأ هؤلاء الأشرار إلى كهوفهم، فاطردوهم كما تطردون الثعالب”.
كانت هناك مجازر وعمليات تهجير عديدة خلال غزو الجزائر، وتظهر هذه الشهادة التي أدلى بها العقيد دي سانت أرنو في أغسطس 1845 أن تعليمات بيجو تم تنفيذها بحماس. حيث قال: “لقد قمت بإغلاق المخارج بإحكام أثناء إنشاء مقبرة كبيرة. ستبقى الأرض مغطاة بجثث هؤلاء المتعصبين إلى الأبد. هناك 500 من اللصوص لن يذبحوا الفرنسيين مرة أخرى.. ضميري لا يوبخني على أي شيء”.
في وسط الحرب الجزائرية، وُصفت ممارسات التعذيب في مجلة لوبس، التي كانت تُعرف آنذاك بـ “فرانس أوبسرفاتور” بقلم كلود بوديه، حيث قال: “تعتبر أساليب التعذيب مثل وضع الضحية في حوض الاستحمام، أو إدخال الماء عبر فتحة الشرج، أو استخدام التيار الكهربائي على الأغشية المخاطية والإبطين أو على العمود الفقري، من بين الأساليب المفضلة، لأنها لا تترك أي آثار مرئية إذا تمت بشكل جيد. كما يستمر تعذيب الجوع، بالإضافة إلى التعذيب باستخدام الخازوق واللكمات والركلات والضربات بعصا الثور أيضاً”.
في هذا الإطار، أثار الصحفي جان ميشيل أباتي جدلاً كبيراً بمقارنته الفظائع التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر بمجزرة أورادور سور غلان، حيث قال: “لقد ارتكبت فرنسا مئات المجازر مثل أورادور سور غلان”. على إثر ذلك، تم إنهاء خدماته من إذاعة “آر تي إل”، وفي التاسع من مارس/آذار أعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن قراره بالاستقالة.
تناولت المجلة قضية حساسة تتعلق بكيفية إدارة إرث العنف الاستعماري وكيف تؤثر هذه الذاكرة على الخطاب العام والسياسة الحالية، مما يترك السؤال مفتوحًا حول قدرة المجتمع على مواجهة ماضيه بشفافية. وذكرت أن فرنسا تذكر بعض المجازر مثل أورادور-سور-غلان، بينما تتجاهل الجرائم التي ارتكبتها في مستعمراتها السابقة، مما يعكس تمييزاً في طريقة استحضار الماضي.
أسلحة كيميائية
بالإضافة إلى استقالة أباتي، وفي سياق دبلوماسي متوتر يتصاعد فيه النقاش حول الجرائم الاستعمارية، قامت القناة الفرنسية الخامسة بسحب فيلم وثائقي غير منشور يكشف عن استخدام فرنسا للأسلحة الكيميائية في الجزائر، وذلك قبل خمسة أيام من موعد بثه، رغم أنه متاح على الإنترنت منذ الأربعاء 12 مارس/آذار.
يستند الفيلم الوثائقي -وفقاً لتقرير آخر صادر عن صحيفة ليبراسيون- إلى أبحاث المؤرخ كريستوف لافاي، ويظهر كيفية استخدام الجيش الفرنسي لأسلحة كيميائية محظورة بهدف تطهير المناطق الجبلية من المقاتلين الجزائريين، مثل غاز “سي إن 2 دي” (CN2D) الذي يمنعه اتفاق جنيف لعام 1925.
ذكرت صحيفة ليبراسيون أن الوثائقي الذي تم عرضه على قناة “آر تي إس” السويسرية قبل أيام، والذي أثار ردود فعل واسعة في الإعلام الجزائري، يأتي في ظرف حساس بسبب توتر العلاقات بين فرنسا والجزائر، خصوصاً بعد اعتراف فرنسا في صيف 2024 بـ “السيادة المغربية” على الصحراء الغربية.
وأشارت لوبس إلى أن العنف لا يقتصر على الجزائر فقط، حيث أوضح المؤرخ كريستوفر جوشا، الذي تم إجراء مقابلة معه في عددها الخاص “الهند الصينية، الاستعمار المنسي”، أن حرب الهند الصينية كانت من أكثر الحروب الاستعمارية عنفاً في القرن العشرين، حيث كانت أعداد الضحايا المدنيين أعلى من تلك التي سُجلت في حرب الجزائر.