العالم

ماكرون يعدل استراتيجيته في إفريقيا.. ما هي التغييرات؟

قد تواجه فرنسا تراجعاً في نفوذها داخل الدول الفرنكوفونية الأفريقية ومستعمراتها السابقة، لكن المؤشرات تدل على أن باريس تقوم بإعادة ترتيب استراتيجيتها، وتدرس العودة بقوة إلى القارة عبر التركيز على دول أفريقيا الأنغلوفونية. في مقدمة هذه الدول، تأتي نيجيريا، التي تظهر التطورات الأخيرة أنها تكتسب أهمية استراتيجية ضمن الخطة الفرنسية بسبب المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الإقليمية.

نيجيريا في السياسة الجديدة لماكرون تجاه أفريقيا

لم تكن نيجيريا أولى الدول التي تلفت انتباه فرنسا في أفريقيا الأنغلوفونية. فمنذ عام 2019، بدأت باريس تعزز علاقاتها مع أكبر الاقتصادات غير الفرنكوفونية في القارة، مثل جنوب أفريقيا، التي قام الرئيس “إيمانويل ماكرون” بأول زيارة رسمية إليها في عام 2021، وكذلك إثيوبيا وكينيا. هذا الاهتمام الفرنسي يعكس رغبة باريس في التوسع خارج مستعمراتها السابقة نحو اقتصادات أكبر وأكثر تنوعًا لتحقيق التوازن بين مصالحها الاقتصادية في جميع أنحاء القارة. يأتي ذلك خاصة في ظل تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا في بعض الدول الفرنكوفونية مثل مالي وبوركينا فاسو، التي طردت القوات الفرنسية في السنوات الأخيرة.

تعد نيجيريا أحد اللاعبين الرئيسيين في غرب أفريقيا، حيث تعد أكبر اقتصادات القارة، ولها تأثير كبير في القرارات الاقتصادية والسياسية ضمن “إيكواس” (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا). بالإضافة إلى ذلك، تشترك نيجيريا في الحدود مع عدة دول فرنكوفونية، مما يجعلها جسراً مهماً بين أفريقيا الأنغلوفونية والفرنكوفونية.

نيجيريا وفرنسا: علاقات تاريخية ودور “تينوبو” في تعزيزها

رغم أن نيجيريا قد تكون أبدت مواقف أكثر إيجابية تجاه فرنسا تحت رئاسة “بولا تينوبو” مقارنة مع رؤساء نيجيريا السابقين، فإن العلاقة بين البلدين شهدت تعاونًا مستمرًا منذ عقود. على سبيل المثال، في عهد الرئيس الأسبق “أولوسيغن أوباسانجو”، تعاونت نيجيريا وفرنسا في مجالات تنويع الشراكة الاقتصادية، وفي عهد “محمد بخاري” تم تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب في خليج غينيا وحوض بحيرة تشاد.

واحدة من محطات هذا التعاون كان اللقاء الرفيع الذي جمع “تينوبو” مع “ماكرون” في نوفمبر 2024، في أول زيارة دولة لرئيس نيجيري إلى باريس منذ أكثر من عقدين. ومن خلال تلك الزيارة، قدم “ماكرون” أجواءً من الود، وهو ما لفت انتباه العديد من الدبلوماسيين والمحللين السياسيين.

البعد الاقتصادي للعلاقات بين نيجيريا وفرنسا

تواجه حكومة “تينوبو” تحديات كبيرة فيما يتعلق بالاقتصاد، مما جعلها تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع فرنسا لتحقيق أهدافها الاقتصادية. ومع استمرار الأزمات الاقتصادية، بما في ذلك انخفاض قيمة العملة المحلية “النيرا”، أصبح من الضروري بالنسبة للحكومة النيجيرية جذب الاستثمارات الأجنبية. في هذا السياق، تتطلع نيجيريا إلى فرنسا كحل محتمل لتوسيع تجارتها مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز صادراتها. ففي زيارته الأخيرة لباريس، وقع “تينوبو” اتفاقًا مع فرنسا لاستثمار 300 مليون يورو في قطاعات رئيسية مثل النقل والطاقة المتجددة والزراعة.

المخاوف المتعلقة بالسيادة الوطنية

رغم ذلك، تثير هذه العلاقات المتنامية مخاوف حول السيادة الوطنية لنيجيريا. فقد واجهت صفقة التعدين الأخيرة مع فرنسا انتقادات من قبل العديد من النيجيريين الذين يعتقدون أن فرنسا قد تستغل الموارد المعدنية للبلاد. ورغم أن الحكومة النيجيرية أكدت أن هذه الاتفاقية لا تتضمن أي تنازل عن حقوق التعدين، فإن هناك خشية من تأثيرات اقتصادية سلبية قد تؤثر على استقلالية نيجيريا.

التحديات الإقليمية

تأتي زيارة “تينوبو” إلى باريس في وقت حساس سياسيًا، حيث يقود نيجيريا “إيكواس” في إطار التوترات الإقليمية. كما أن بعض الدول في غرب أفريقيا قد عبرت عن قلقها من تعزيز العلاقة بين نيجيريا وفرنسا، خاصة بعد مغادرة دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو من “إيكواس”. وتؤجج هذه الديناميكيات الإقليمية النقاشات حول دور نيجيريا في محاربة الإرهاب وعلاقاتها مع فرنسا، وهو ما قد يؤثر على استقرار المنطقة بشكل عام.

تتسم العلاقات الفرنسية-النيجيرية بتعقيدات عدة، حيث تجمع بين فرص اقتصادية كبيرة وبين التحديات السياسية والإقليمية. بينما تسعى نيجيريا إلى تعزيز شراكاتها الدولية، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستتمكن من الحفاظ على توازن بين مصالحها الوطنية وعلاقاتها مع فرنسا، خاصة في ظل المخاوف بشأن تأثير هذه الشراكة على سيادتها الوطنية واستقلالها الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى