يعد التوقيت الزمني من أهم أدوات التنظيم البشري التي تساعد في تحديد الأوقات، وتوثيق الأحداث، وتنظيم الأعمال في الحياة اليومية. وقد ارتبط التوقيت الزمني بعدد من الأنظمة التي تطورت مع مرور الزمن بحسب احتياجات المجتمعات والثقافات المختلفة. من بين هذه الأنظمة، يعتبر التاريخ الهجري و التاريخ الميلادي هما الأكثر استخدامًا في العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية على التوالي. يشير التاريخ الميلادي إلى السنوات المرتبطة بميلاد عيسى بن مريم، بينما يرتبط التاريخ الهجري بهجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
تُعدّ هاتان النظامان التوقيتيان من أبرز التقاويم التي تستخدم حول العالم، ولهما تاريخ طويل ومعقد يمتد عبر العصور. سنتناول في هذا المقال تطور التاريخ الهجري والتاريخ الميلادي من خلال استعراض نشأتهما، وأسباب اختيارهما، وأثرهما في العالم الإسلامي والعالمي.
التاريخ الميلادي هو التقويم الأكثر استخدامًا على مستوى العالم اليوم. يتمركز حول ميلاد عيسى بن مريم، الذي يُعتبر حدثًا محوريًا في التاريخ المسيحي. يطلق عليه أيضًا التقويم الغريغوري، نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر الذي أُدخل التعديل الأخير عليه في عام 1582م.
كان التاريخ الميلادي يعتمد في بدايته على التقويم الروماني الذي بدأ في روما القديمة. هذا التقويم كان يعتمد على دورة القمر حول الأرض، وكان يعاني من بعض المشاكل في حساب السنة الشمسية بشكل دقيق. في عام 45 ق.م، قام يوليوس قيصر بتعديل هذا التقويم، وأدخل التقويم اليولياني الذي أسس على السنة الشمسية بدلاً من الدورة القمرية. ومع ذلك، بقي التقويم اليولياني يعاني من بعض الأخطاء الحسابية الطفيفة التي تراكمت مع مرور الوقت.
في عام 1582م، قام البابا غريغوريوس الثالث عشر بتقديم تعديل على التقويم اليولياني، وهو ما عرف بـ التقويم الغريغوري. الهدف من هذا التعديل كان تصحيح الخطأ في حساب السنة الشمسية، حيث كانت السنة الميلادية في التقويم اليولياني أطول بـ 11 دقيقة من السنة الشمسية الفعلية، مما أدى إلى أن الفصول تتراجع في التقويم، مما أثر على تحديد تواريخ عيد الفصح.
أدخل هذا الإصلاح بعدد من التعديلات المهمة، أبرزها:
أدى الإصلاح الغريغوري إلى جعل التقويم الميلادي أكثر دقة في محاكاة السنة الشمسية. لذلك، أصبح هذا التقويم هو المعتمد عالميًا في معظم البلدان اليوم.
منذ بداية القرن السادس عشر، بدأ استخدام التقويم الغريغوري في الدول المسيحية، لكن اعتماده استغرق وقتًا طويلًا حتى دخل معظم الدول. بدأت الدول الكاثوليكية في استخدام التقويم الغريغوري فورًا بعد عام 1582م، ولكن الدول البروتستانتية تأخرت في اعتماده. على سبيل المثال، إنجلترا اعتمدت التقويم الغريغوري في عام 1752م.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأ التاريخ الميلادي في الانتشار إلى البلدان غير المسيحية أيضًا، وخاصة مع توسع الاستعمار الأوروبي، وأصبح هو التقويم الدولي الرسمي المستخدم في الأعمال والاقتصاد والمجالات العلمية.
التاريخ الهجري هو التقويم الذي يستخدمه المسلمون، وهو يعتمد على السنوات القمرية وهجرت النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في السنة 622 ميلاديًا. يعتمد هذا التقويم على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، حيث تبلغ السنة الهجرية حوالي 354.36 يوما، أي أقل من السنة الشمسية بحوالي 11 يومًا.
بدأ التاريخ الهجري في السنة التي هاجر فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أي السنة 622 ميلاديًا. كانت بداية التاريخ الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قرر استخدام الهجرة كنقطة انطلاق لتحديد السنوات الهجرية. في السنة 17 هـ (638م)، تم اعتماد التاريخ الهجري بشكل رسمي، وأصبحت السنة الأولى للهجرة هي البداية.
قبل ذلك، كان المسلمون يعتمدون على التقويم الميلادي في حياتهم اليومية، مع بعض التعديلات البسيطة، مثل إضافة الأشهر الحرم.
كانت الهجرة هي الحدث الفاصل الذي فرق بين مرحلتين من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه. فقد انتقل المسلمون من مرحلة الاضطهاد والمقاومة في مكة إلى مرحلة الاستقرار السياسي وبناء الأمة في المدينة المنورة. لذلك، تم اختيار هذا الحدث ليكون نقطة انطلاق للتاريخ الهجري.
لقد كان لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم أثر كبير في تشكيل الهوية الإسلامية وبدء المرحلة الجديدة من تاريخ الإسلام، حيث بدأ المسلمون في تأسيس دولتهم الخاصة بعد الهجرة. وبذلك، تم اختيار الهجرة كبداية للتاريخ الهجري لتوثيق هذا التحول الكبير.
يتكون التقويم الهجري من 12 شهرًا قمرًا، ويعتمد على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، بحيث يكون الشهر الهجري إما 29 أو 30 يومًا. بالتالي، تكون السنة الهجرية قصيرة بمقدار 11 يومًا مقارنة بالسنة الميلادية. لذا، لا يتزامن شهر هجري مع نفس الشهر الميلادي كل عام.
رغم أن التقويم الهجري لا يزال يستخدم بشكل واسع في الدول الإسلامية للأغراض الدينية، مثل تحديد مواقيت الصلاة، شهر رمضان، و عيد الأضحى، إلا أنه نادرًا ما يُستخدم في الأعمال اليومية والحسابات الاقتصادية، باستثناء بعض الدول التي تواصل استخدامه مثل السعودية.
أصبح التقويم الميلادي هو السائد في العالم، ولكن التاريخ الهجري لا يزال ذا أهمية خاصة في الجانب الديني والثقافي للمجتمعات الإسلامية.
يشكل كل من التاريخ الميلادي و التاريخ الهجري جزءًا أساسيًا من التقاليد الثقافية والدينية في العالم. بينما يستند التاريخ الميلادي إلى النظام الشمسي ويرتبط بميلاد عيسى بن مريم، يعتمد التاريخ الهجري على الدورة القمرية ويرتبط بهجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يساهم كل من التقويمين في تنظيم حياة الناس في مختلف الثقافات والمجتمعات.
وفي النهاية، يعتبر كل من التاريخ الهجري والميلادي جزءًا من الهوية الثقافية والدينية للإنسانية، ويعكسان تطورًا طويلًا للأنظمة الزمنية في تاريخ البشرية.
أعلنت هيئة حماية المنافسة في تركيا يوم الأحد، 16 مارس 2025، عن بدء تحقيق مع…
تحسين التصنيف الائتماني في الإمارات يتطلب اتخاذ خطوات مدروسة للحفاظ على سمعة ائتمانية جيدة. إليك…
تعتبر سوريا من الدول التي تمتلك ثروات طبيعية هامة في مجال النفط والغاز. على الرغم…
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم السبت قرار بصرف راتب شهر إضافي لموظفي الحكومة بمناسبة عيد الفطر.…
تعتبر سوريا من الدول التي مرت بالعديد من التحديات والصراعات خلال العقد الأخير. ورغم الأزمات…
منذ أن استحوذت إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية في عام 1967، اعتبرت المنطقة بمثابة قلعة…