من هنا وهناك

يهود أصفهان.. تاريخ حافل وحضور يثير الجدل

إيران – أصفهان
تُعدّ مدينة أصفهان إحدى أبرز المدن الإيرانية التي ارتبطت تاريخيًا بالطائفة اليهودية، ليس فقط بسبب وجودهم التاريخي الممتد فيها، بل أيضًا لما نُسب إليها من إشارات دينية ونبوءات، ولما تمثّله اليوم من رمزية دينية وسياسية وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل.

جذور اليهود في أصفهان

وجود اليهود في أصفهان يعود إلى ما قبل الميلاد، حيث تشير الروايات التاريخية إلى أن أوائل اليهود وصلوا إلى المنطقة بعد السبي البابلي، وازداد عددهم بعد الفتح الفارسي لبابل بقيادة كورش الكبير، الذي سمح لليهود بالعودة إلى أورشليم، إلا أن بعضهم استقر في فارس، ومن ضمنها أصفهان.

في العصر الصفوي، ازدهر وجود اليهود في أصفهان، خاصة في عهد الشاه عباس الأول الذي نقل مئات العائلات اليهودية إلى المدينة ضمن سياسات إعادة التوطين. تمركزوا في حي خاص بهم عُرف باسم “جُبارة”، وأقاموا فيه معابدهم وأسواقهم، وكانوا مندمجين إلى حد كبير في الحياة التجارية للمدينة، كما شاركوا في الحرف اليدوية وصناعة الذهب والطب.

العلاقات مع السلطة والاضطهاد المتقطّع

رغم فترات الازدهار، تعرّض اليهود في أصفهان إلى موجات اضطهاد متقطعة، خاصة في أواخر العصر الصفوي، وفي بعض فترات القاجاريين، حيث فُرضت عليهم قيود دينية واجتماعية. وكان يُمنع عليهم ركوب الخيل أو ارتداء بعض الألوان، كما تعرضوا أحيانًا للتهجير القسري أو إجبارهم على الدخول في الإسلام.

ومع ذلك، ظل الحضور اليهودي قائمًا، واستمر وجود الكُنُس والمدارس الدينية اليهودية، كما بقي الحي اليهودي في أصفهان شاهدًا على ذلك التاريخ.

يهود أصفهان في العصر الحديث

مع قيام دولة إسرائيل عام 1948، بدأت موجات هجرة يهود إيران، ومنهم يهود أصفهان، إلى فلسطين. ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اشتدّت الهجرة، فغادر الآلاف منهم إيران إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا، لكن لا تزال أقلية يهودية صغيرة تقيم في أصفهان حتى اليوم، وتدير بعض المعابد والمدارس تحت رقابة مشددة من السلطات الإيرانية.

اليوم، يُعتبر الحي اليهودي القديم في أصفهان من المعالم التاريخية، ويضم عددًا من أقدم المعابد اليهودية في إيران، إضافة إلى مقابر تعود لمئات السنين، ويشكّل وجودهم الحالي أحد رموز التعددية الدينية المحدودة التي لا تزال موجودة في إيران رغم القيود.

يهود أصفهان في الرواية الدينية والسياسية

برز اسم “يهود أصفهان” بشكل كبير في الأدبيات الدينية الإسلامية، لا سيما في أحاديث نبوية تُشير إلى أنهم سيكونون في صفّ المسيح الدجال في آخر الزمان. أشهر هذه الروايات ما ورد في الحديث:
“يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة”
وهو حديث موجود في بعض كتب السنة ويُستدل به على دور رمزي – أو واقعي – لهذه الجماعة في أحداث آخر الزمان.

سياسيًا، وظّفت بعض الجماعات الإسلامية هذا الحديث لربط وجود اليهود في إيران، أو “جذور يهودية” لبعض مراكز النفوذ، بمخططات صهيونية أو اختراقات غربية، خاصة في سياق اتهام إسرائيل بالتجسس والاختراق داخل المجتمع الإيراني. وقد ظهر هذا التوظيف بشكل ملحوظ في الخطاب الإعلامي الإيراني الرسمي أثناء الحملات على “جواسيس إسرائيليين” أو “عملاء مرتبطين بالموساد”.

بين الهوية الدينية والتوظيف الأيديولوجي

رغم أن يهود أصفهان اليوم جماعة دينية صغيرة، إلا أن ربطهم بالنبوءات أو الاتهامات السياسية جعلهم جزءًا من صراع رمزي أكبر. فإيران من جهة تؤكد أنها تحمي اليهود باعتبارهم “أصحاب ديانة سماوية”، لكنها في الوقت ذاته تستخدم موضوع “يهود أصفهان” أحيانًا كرمز للعدو المتخفي أو المشروع الصهيوني المتغلغل.

وفي المقابل، تستمر إسرائيل في تسليط الضوء على يهود إيران وأوضاعهم، سواء لكسب دعمهم، أو لتوظيف ذلك في الدعاية المضادة ضد النظام الإيراني.

يهود أصفهان جماعة عريقة الجذور في النسيج الفارسي، تميّزت بقدرتها على البقاء رغم التحولات السياسية والدينية الكبرى، وتحولت من مجتمع تجاري مزدهر إلى أقلية شبه منسيّة، لكن اسمها ما زال يُستحضر في السياقات الدينية والسياسية. وبين الواقع التاريخي والرمز المستقبلي، يظل يهود أصفهان عقدة سردية في قلب التوتر الإيراني–الإسرائيلي، لا تقل في أهميتها عن المواقع النووية أو التحالفات العسكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى