اكتشف أسرار يأجوج ومأجوج من منظور جديد

منذ قرون، حيّرت قصة يأجوج ومأجوج عقول البشر، ونسجت حولها الأساطير والتكهنات. هل هم شعوب بدائية محبوسة خلف جدار ضخم؟ هل هم كائنات بشرية متوحشة ستخرج آخر الزمان لتدمّر الأرض؟ أم أن هناك تفسيرًا أعمق، يتجاوز التصورات الكلاسيكية ويدخل بنا إلى عالم الرمزية والجيولوجيا؟
في هذا المقال، سنسافر بين آيات القرآن الكريم، وتفاسير العلماء، والنظريات الحديثة التي تربط يأجوج ومأجوج بالظواهر الطبيعية مثل البراكين والحمم المنصهرة، في محاولة لفهم معنى جديد محتمل لهذه الظاهرة القرآنية الغامضة.
من هم يأجوج ومأجوج في القرآن؟
ورد ذكر يأجوج ومأجوج في موضعين رئيسيين في القرآن الكريم:
- سورة الكهف (الآيات 93-98): وفيها تُسرد قصة الملك العادل ذو القرنين، الذي بنى سدًا عظيمًا ليمنع يأجوج ومأجوج من الإفساد في الأرض.
- سورة الأنبياء (الآية 96): وفيها يُذكر أنهم سيُطلق لهم العنان في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة الكبرى.
التفاسير الكلاسيكية تصفهم على أنهم أقوام بشرية ضخمة العدد، ذات طباع مدمّرة، تعيش خلف سد بناه ذو القرنين وتنتظر ساعة الخروج.
لكن، ماذا لو لم يكونوا بشرًا على الإطلاق؟ ماذا لو كانوا قوى طبيعية لا تعقل، لا تتكلم، بل تدمّر بلا رحمة؟
إقرأ أيضاً: بعد سقوطها من الطابق الـ25.. فتاة صينية تنجو من الموت بأعجوبة
التفسير الجديد: يأجوج ومأجوج كظواهر جيولوجية!
بدأ بعض الباحثين المعاصرين بطرح فكرة جديدة: أن يأجوج ومأجوج قد لا يكونون أقوامًا بشرية، بل براكين نشطة أو حمم منصهرة محبوسة خلف سد جيولوجي، تنتظر لحظة الخروج لتدمّر ما حولها.
هذا التفسير الرمزي يستند إلى عدة إشارات قرآنية يمكن تأويلها بشكل مختلف. إليك أبرزها:
1. “لا يكادون يفقهون قولًا” – القوى الصمّاء
هذه العبارة تُفهم تقليديًا على أن القوم المحيطين بيأجوج ومأجوج لا يفهمون لغة التواصل.
لكن في التفسير الرمزي، يمكن أن تكون إشارة إلى أن يأجوج ومأجوج أنفسهم ليسوا كائنات ناطقة أو عاقلة – بل هم ظواهر طبيعية صمّاء، مثل الحمم البركانية أو الزلازل، لا تفهم ولا تميز، بل تنفجر وتدمّر.
2. الردم الحديدي: هندسة جيولوجية عميقة
ذو القرنين بنى ردمًا من الحديد وصبّ عليه النحاس المذاب، حتى أصبح سدًا قويًا لا يمكن تجاوزه.
في عالم الجيولوجيا، يمكن لهذا الوصف أن يُفهم على أنه سد بركاني أو حاجز من صخور ومعادن تمنع تدفق الحمم البركانية من الخروج من أعماق الأرض.
أي أن يأجوج ومأجوج قد يكونون طاقة حرارية جوفية محتجزة خلف هذا الحاجز، تنتظر لحظة الانفجار!
3. “حتى إذا جاء وعد ربي جعله دكّاء” – انهيار الكارثة
كلمة “دكّاء” تعني التسوية أو الانهيار. حين يأتي “وعد الله”، سيتهدم الردم ويُفتح الباب ليأجوج ومأجوج.
في التفسير البركاني: انهيار الحاجز الجيولوجي قد يؤدي إلى ثوران بركاني هائل، تنطلق معه الحمم والغازات السامة من باطن الأرض.
هذا الحدث الكارثي يتناسب تمامًا مع الصور القرآنية التي تصور خروجهم كدمار شامل وسريع.
4. “وهم من كل حدب ينسلون” – الانتشار الناري
“حدب” تعني المرتفعات أو المنحدرات، و”ينسلون” أي يخرجون بسرعة.
هذه الصورة قد تتطابق مع مشهد الحمم البركانية التي تندفع من الفوهات الجبلية وتنحدر على كل اتجاه، مدمّرة كل شيء في طريقها.
هل هناك شواهد علمية تدعم هذا التصور؟
نعم، وهناك أمثلة واقعية يمكن ربطها بهذا التصور:
– بركان تامبورا (1815 – إندونيسيا):
انفجر بقوة تعادل مئات القنابل النووية، ودمر قرى ومدن، وغيّر مناخ الأرض مؤقتًا.
– بحيرة نيـوس (1986 – الكاميرون):
انبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل مفاجئ، فخنق أكثر من 1700 إنسان، في ظاهرة مرعبة تشبه “زفير جهنمي”.
كيف يفسر هذا الأمر كعلامة من علامات الساعة؟
بما أن يأجوج ومأجوج جزء من العلامات الكبرى للقيامة، فإن فهمهم على أنهم ظواهر جيولوجية كارثية يتناسب مع صور نهاية العالم المنتشرة في مختلف الأديان والثقافات:
- دمار شامل.
- اختلال في الطبيعة.
- زلازل وبراكين.
- تغييرات مناخية مدمّرة.
كل هذا يمكن ربطه بخروج يأجوج ومأجوج بصفتهم تجليًا لغضب الطبيعة أو “غضب الخالق” كما في السياقات الدينية.
اعتراضات على هذا التفسير
بالطبع، هذا الطرح لا يخلو من الجدل، وهناك اعتراضات من علماء ودعاة يرون أن:
- الأحاديث النبوية تصفهم بصفات بشرية واضحة.
- هناك إشارات إلى أنهم يتكاثرون ويشربون المياه ويُهلكون البشر.
- التفسير الرمزي قد يفتح الباب لتأويلات تُفرغ النصوص من معناها الواضح.
لكن بالمقابل، يُقال إن هذه الأحاديث قد تكون تأويلات تصف الكارثة بأسلوب بشري، أو تشبيهات مجازية لعنف هذه الظاهرة.
لماذا هذا التفسير مهم اليوم؟
في عصر العلم والكوارث الطبيعية المتزايدة، بدأت البشرية تعيد النظر في الرموز الدينية القديمة من منظور علمي حديث.
- التفسير البركاني ليأجوج ومأجوج يقدم جسرًا بين الإيمان والعلم.
- يفتح بابًا لفهم الإعجاز العلمي في القرآن بطريقة غير تقليدية.
- ويساعدنا على التعامل مع النصوص بعقلية معاصرة دون أن نُفرّغها من قيمتها الروحية.
قصة يأجوج ومأجوج ما زالت مفتوحة على احتمالات عديدة. قد يكونون أقوامًا بشرية بالفعل، أو قد يكونون الدمار المتفجر من جوف الأرض، بشكل لم نتخيله من قبل.
لكن المؤكد أن الرسالة الأعمق في القصة تظل واضحة: مهما كانت القوى التي تهدد الحياة، فإن السيطرة عليها تحتاج إلى حكمة، علم، وإرادة إلهية.
فهل نكون نحن الجيل الذي يرى هذا المشهد؟
أم أننا مطالبون فقط بفهمه… والاستعداد له؟