لماذا تُطلق بعض الدول أقمارها الصناعية من خارج أراضيها؟

رغم أن بعض الدول تصمم وتصنع أقمارها الصناعية بالكامل، إلا أنها غالبًا ما تختار إطلاقها من خارج حدودها. قد يبدو هذا غريبًا في البداية، لكنه في الحقيقة قرار مدروس تُحكمه اعتبارات معقدة، أبرزها:
1. الطبيعة لا تتعاون دائمًا
ليست كل الدول محظوظة بموقع جغرافي أو مناخ ملائم لإطلاق الصواريخ.
الرياح القوية، الأمطار الغزيرة، وحتى درجات الحرارة قد تعرقل أو تؤجل عمليات الإطلاق.
كما أن البعد عن خط الاستواء يعني حاجة أكبر للطاقة لوضع القمر في مداره، مما يرفع التكاليف ويقلل من كفاءة الإطلاق.
لهذا تفضل كثير من الدول استخدام مواقع إطلاق تتسم بمناخ مستقر، ارتفاع مناسب، وقرب من خط الاستواء – وكلها عوامل تمنح الصاروخ دفعة طبيعية نحو الفضاء.
2. غياب البنية التحتية الفضائية
إطلاق قمر صناعي لا يقتصر على الصاروخ وحده؛ بل يتطلب منظومة كاملة تشمل منصات إطلاق، أنظمة تتبع، مراكز تحكم، ومعدات دعم أرضي.
هذه البنية مكلفة ومعقدة، ولا تتوفر إلا في عدد محدود من الدول مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وفرنسا.
3. اقتصاديات الفضاء
بناء منصة إطلاق وطنية قد يُكلّف مليارات، لذا تختار العديد من الدول خيارًا أكثر عقلانية: التعاون مع دول تمتلك الخبرة والمنشآت.
استئجار خدمات الإطلاق يُخفض التكاليف بشكل كبير، ويوفر فرصًا أعلى للنجاح، خصوصًا في البعثات الأولى أو عند إطلاق أقمار بحمولة دقيقة.
4. الخبرة لا تُشترى… بل تُستعان بها
وكالات فضاء رائدة مثل NASA الأمريكية، وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، ووكالة Roscosmos الروسية، تفتح أبوابها للعالم عبر خدمات إطلاق تجارية.
التعاون مع هذه الجهات يُتيح للدول الناشئة في مجال الفضاء الاستفادة من عقود من الخبرة والدقة التكنولوجية.
5. الموقع يصنع الفرق
مواقع مثل مركز “كورو” في جويانا الفرنسية أو قاعدة “بايكونور” في كازاخستان تُعد من أفضل منصات الإطلاق عالميًا، بفضل قربها من خط الاستواء أو جاهزيتها التقنية.
كل درجة تقرب من خط الاستواء تعني توفيرًا في الوقود وزيادة في كفاءة الصعود إلى المدار.
تجارب عربية تؤكد ذلك:
- الإمارات أطلقت “خليفة سات” من اليابان.
- المغرب أطلق القمر “محمد السادس ب” من جويانا الفرنسية.
- السعودية استخدمت منصات روسية وأمريكية.
- مصر اعتمدت على كازاخستان لإطلاق أقمارها.
اختيار مكان إطلاق القمر ليس قرارًا بسيطًا أو محصورًا بالسيادة الجغرافية. إنه مزيج معقّد من الاعتبارات المناخية، التقنية، والاقتصادية.
ولهذا، حتى الدول التي تبني أقمارها بيدها، تختار إطلاقها من أراضٍ بعيدة… لأن في عالم الفضاء، كل شيء محسوب بدقة.
فالانطلاق من الأرض لا يعني أن تبقى عليها.
للمزيد، شاهد هذا الفيديو الممتع عن بوابات السماء وإطلاق الأقمار الصناعية.