كتب ومؤلفين

ملخص كتاب كيف ننهض من السقوط؟ Rising Strong | Brené Brown

كتاب “Rising Strong” يدور حول موضوع محوري: كيف ننهض من السقوط؟ كيف نعيد بناء أنفسنا بعد الفشل، الانكسار، الخسارة أو الإحباط؟ في هذا الكتاب، تستند برينيه براون إلى أكثر من عشر سنوات من البحث، وتستعرض منهجية نفسية وعملية تساعد الأفراد على التعامل مع الفشل والمحن، وتحويل التجربة المؤلمة إلى نقطة انطلاق نحو القوة والوعي الذاتي والنمو.

تبدأ برينيه الكتاب بالتأكيد على أن الحياة الحقيقية لا يمكن أن تُعاش من دون المخاطرة. كل من يملك الشجاعة ليحب، ليبدع، ليقود، أو ليخوض مغامرة، فإنه لا بد سيتعرض يومًا ما للسقوط. ولذلك، تقول إن الشجاعة لا تتعلق بتفادي الفشل، بل بقدرتنا على النهوض بعده. تسمي هذا المفهوم “Rising Strong” أي النهوض بقوة. هي عملية تبدأ بالاعتراف بالسقوط، ثم مواجهة القصة التي نرويها لأنفسنا عن أسباب الفشل، ثم إعادة كتابة تلك القصة على أسس الحقيقة والتعاطف والوعي.

تستخدم برينيه براون أسلوبًا سرديًا متميزًا، حيث تدمج بين الأبحاث الأكاديمية والقصص الشخصية والتجارب الواقعية. هذا ما يجعل الكتاب عاطفيًا ومُلهمًا في آنٍ واحد. وهي تعتمد في كتابها هذا على ثلاث مراحل أساسية لتجاوز المحنة أطلقت عليها اسم “العملية الجريئة” أو The Reckoning, The Rumble, and The Revolution.

المرحلة الأولى هي The Reckoning أو “الاعتراف”. في هذه المرحلة، يكون الإنسان قد سقط بالفعل. ربما تعرض لخيانة، أو فشل في العمل، أو فقد علاقة مهمة. التحدي هنا هو أن نكون على وعي بمشاعرنا. تقول برينيه إن الناس غالبًا ما يحاولون تجنب الألم أو التغلب عليه بوسائل غير صحية، مثل الإنكار أو الغضب أو اللوم أو التخدير (بالمعنى النفسي أو عبر الإدمان). لكن الخطوة الأولى للنهوض هي أن نكون شجعانًا بما يكفي لنواجه مشاعرنا، ونسأل أنفسنا: ماذا يحدث بداخلي؟ ما الذي أشعر به حقًا؟ لماذا أشعر بذلك؟ هذه الأسئلة البسيطة تفتح الباب للمرحلة التالية.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب الطريق إلى بناء الشخصية الأخلاقية The Road to Character | ديفيد بروكس

المرحلة الثانية هي The Rumble أو “الاهتزاز الداخلي”، وهي المرحلة الأكثر تحديًا. هنا، نحاول أن نكتشف القصة التي نرويها لأنفسنا عندما نشعر بالألم. فعلى سبيل المثال، إذا تم تجاهلنا في اجتماع عمل، قد نروي لأنفسنا قصة تقول: “أنا غير مهم”، أو “لا أحد يقدرني”. لكن هذه القصة غالبًا ما تكون مشوهة أو جزئية. تقول برينيه إننا في هذه المرحلة بحاجة إلى تمحيص هذه القصة، وأن نكون فضوليين لا حكماء. ما هي الافتراضات التي أفترضها؟ هل هذه القصة صحيحة؟ هل هناك حقيقة أخرى ممكنة؟ هنا تبرز الحاجة إلى التعاطف مع الذات، والاعتراف بوجود نقاط ضعفنا وتحليلها بعقل منفتح.

برينيه تؤكد أن معظمنا يُسرع في الحكم على الآخرين وعلى أنفسنا من خلال ما تسميه “القصص الفورية”، تلك التي نصوغها بسرعة من أجل حماية أنفسنا من الألم. لكن التحدي الأكبر هو أن نتوقف لحظة ونفكر: هل هذه القصة تساعدني؟ هل تبنيني أم تهدمني؟ قد يكون الشخص الآخر لم يقصد الإهانة، وقد أكون أنا أسقط مشاعري القديمة على موقف جديد. النضج العاطفي يبدأ عندما نكون قادرين على التوقف ومساءلة أنفسنا، وهذا يتطلب شجاعة هائلة.

المرحلة الثالثة هي The Revolution أو “الثورة”، وهي اللحظة التي نختار فيها أن نعيش بطريقة مختلفة بناءً على ما تعلمناه. بعد أن نكون قد اعترفنا بالمشاعر، وفهمنا القصة التي نرويها، وحللناها بصدق، يمكننا أن نعيد كتابة تلك القصة. القصة الجديدة لا تكون مثالية، لكنها واقعية وصادقة وتُعبر عن الوعي والنمو. هذه الثورة ليست ضد أحد، بل هي ثورة داخلية، تتجلى في طريقة جديدة نعيش بها، نتعامل بها مع الآخرين، ونرى بها أنفسنا. إنها لحظة التحول من الضحية إلى القائد، من الألم إلى التعاطف، من السقوط إلى النهوض.

أحد المحاور المهمة التي تتناولها برينيه هو فكرة أن “القصص التي لا نواجهها تسيطر علينا”. وهذا يعني أننا إذا لم نواجه مشاعرنا ونتعامل مع جروحنا النفسية، فإنها ستؤثر على تصرفاتنا، وربما تؤذي علاقاتنا وقراراتنا. وعندما نقوم بهذه الرحلة الداخلية، فإننا لا نصبح فقط أقوى، بل نصبح أيضًا أكثر تعاطفًا مع الآخرين. لأن من يمر بالمحنة ويفهمها، يكون أقدر على فهم ألم غيره.

تتحدث برينيه أيضًا عن العلاقة بين الفشل والهوية. كثير من الناس، بحسبها، يميلون إلى ربط قيمتهم الذاتية بالنجاح، ويشعرون بأنهم لا يستحقون الحب أو التقدير إن فشلوا. لكنها تدعو إلى فصل “من نكون” عن “ما ننجزه”. الفشل لا يُعرفنا، هو فقط تجربة نمر بها. الشجاعة الحقيقية هي أن نواجه الفشل، لا أن نتحاشاه، وأن نتعلم منه بدلًا من أن نهرب.

في أحد فصول الكتاب، تعرض برينيه لما تسميه “اللحظات الشجاعة اليومية”، وتشير إلى أن النهوض من الفشل ليس حدثًا كبيرًا دائمًا، بل قد يكون شيئًا بسيطًا مثل الاعتذار لمن أخطأنا في حقه، أو الاعتراف بأننا نشعر بالخوف أو القلق. إن الحياة الحقيقية تتكون من مواقف صغيرة يومية، وكل قرار نتخذه فيها إمّا يقربنا من الشجاعة أو يبعدنا عنها.

تربط برينيه هذه الرحلة بمفهوم “الضعف” Vulnerability الذي تطرقت إليه في كتبها السابقة. وهي ترى أن الضعف ليس ضعفًا، بل هو شرط الشجاعة. فأن تفتح قلبك، وأن تعترف بألمك، وأن تعبر عن مشاعرك دون ضمانات، فهذه هي القمة الحقيقية للشجاعة. ولذلك فإن طريق “Rising Strong” لا ينجح إلا إذا قبلنا هذا الضعف وتعلمنا أن نعيش من خلاله.

تقدم المؤلفة أيضًا مجموعة من الأدوات العملية في كل مرحلة، وتستخدم لغة بسيطة وعاطفية. تُشجع القارئ على كتابة القصة التي يرويها لنفسه، على التحدث مع آخرين عن مشاعره، على تحديد القيم التي تقوده، وعلى اختيار الحقيقة بدلًا من الإنكار. وهي تُصر على أن هذه العملية لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل هي تدريجية وتتطلب تكرارًا وجهدًا وصدقًا.

واحدة من أهم النقاط التي تؤكدها برينيه في الكتاب هي أن لا أحد معصوم من السقوط، وأن السقوط لا يعني أننا فشلنا كأشخاص. بل هو فرصة لفهم أنفسنا بشكل أعمق. تقول: “الأبطال الحقيقيون هم أولئك الذين ينهضون بعد السقوط، ويحملون معهم جراحهم كدليل على نجاتهم، لا كعار يخفونه”.

الكتاب أيضًا مليء بالأمثلة من الحياة الواقعية: علاقات شخصية انهارت، مشاريع فشلت، صداقات تعرضت للأذى، أشخاص مروا بالاكتئاب، ووجدوا طريقًا للنهوض من خلال هذه المنهجية. هذه القصص تجعل الأفكار النظرية التي تقدمها برينيه قابلة للتطبيق، وتمنح القارئ أملًا حقيقيًا في إمكانية الشفاء والتحول.

خلاصة القول، كتاب “Rising Strong” لا يُقدم وصفة سحرية لتجاوز المحن، بل يدعونا إلى أن نكون أكثر صدقًا مع أنفسنا، أن نواجه ألمنا لا أن نخفيه، أن نسأل الأسئلة الصحيحة، أن نعيد كتابة قصصنا بناءً على الحقيقة، وأن ننهض كل مرة نسقط فيها. وهو يؤمن بأن من يملك الشجاعة لفعل ذلك، سيجد في داخله قوة لا تُقهر، وسيتحول من مجرد ناجٍ إلى قائد حقيقي في حياته.

هذا الكتاب ليس فقط عن الفشل، بل عن الحياة بكل تناقضاتها، عن الألم الذي لا يمكننا تفاديه، وعن الأمل الذي يمكننا خلقه بأنفسنا. إنه دعوة صادقة للنمو من خلال المحنة، لا بالرغم منها. ومن خلال كلماته، تدعونا برينيه براون لأن نعيش بشجاعة، أن نحب بعمق، وأن ننهض دائمًا، بقوة.

المصدر:
Brown, Brené. Rising Strong: How the Ability to Reset Transforms the Way We Live, Love, Parent, and Lead. Spiegel & Grau, 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى